وبعد الاستطلاع الدقيق لأوضاع الملكيين، والتمهيد النيراني بوساطة القاذفات التكتيكية والمدفعية، بدأت عملية اقتحام المضيق، مرة أخرى، ليلة 8 ـ 9 فبراير، بدفع وحدات فرعية من المشاة إلى احتلال أجناب المضيق والهيئات المتحكمة فيه. وبنجاح تلك الوحدات في مهمتها، تم دفع مجموعة قتال من المشاة الآلية، والدبابات، وعناصر استطلاع، مُدعمة بالمدفعية والهاونات والمهندسين، شرقاً، إلى المطمة. وقد تمكنت تلك القوة في نهاية يوم 11 فبراير، من الوصول إلى البلدة وتأمينها، من دون قتال حقيقي.
وعند متابعة تأمين المنطقة، جنوب المطمة، جُوبهت مجموعة الاستطلاع المصرية بنيران الملكيين، في منطقة الأحراج، جنوب البلدة. مما استدعى دفْع بعض عناصر المشاة، المدعمة بقاذفات اللهب، إلى إشعال النيران في تلك الأحراج، وتطهيرها.
وعلى أثر تأمين المنطقة، دُفِع باقي قوات العملية، من مضيق "الفجرة" إلى المطمة وما حولها. كما دُفعت قوة خفيفة الحركة إلى "الحزم"، فدخلتها، في 13 فبراير، من دون قتال. ثم لحقت بها باقي قوات العملية. وبدأت القوات تستعد لتحركها التالي، عبْر الصحراء، من "الحزم" إلى "مأرب"، بعد أن أعلنت معظم قبائل الجوف ولاءها للجمهورية. وتعهد شيخ "دهم" بمنع إمدادات الملكيين وتحركاتهم، عبْر منطقة قبيلته.
(3) التقدم إلى مأرب وفك الحصار عن صرواح (انظر خريطة المسرح اليمني)، (وشكل أعمال قتال قوات الجمهوريين للسيطرة على الحزم (محور الجوف) (1 ـ 27 فبراير 1963))، و(شكل أعمال قتال قوات الجمهوريين القادمة من الجوف للسيطرة على مأرب وصرواح (فبراير ـ مارس 1963)).
بانتهاء المرحلة السابقة بنجاح، بدأت المرحلة التالية من عملية الجوف، في 26 فبراير، بتحرك مجموعة القتال، المشكلة من الكتيبتين 11 و70 مشاة (عدا سريتين)، وعناصر دعمهما، إلى مأرب. وعندما وصلت مجموعة المقدمة إلى مشارف أرض الهبوط، شمال البلدة، جُبِهَت بالنيران من المرتفعات الغربية والجنوبية الغربية، التي كان يحتلها الملكيون.
وبعد تمهيد نيراني، من المدفعية والدبابات، ضد مَواقع الملكيين في تلك المرتفعات، اقتحمت مجموعات القتال من الكتيبتين 11 و 70 مشاة، تحت ستر نيران الدبابات والمدفعية، تلك المَواقع، وقضت على المقاومة الملكية في هذه المنطقة. وبوصول القوات المصرية إلى مأرب وتأمينها، في أول مارس، سارعت قبائل عبيدة إلى إعلان ولائها للجمهورية.
وفي الرابع من مارس، دخلت القوات المصرية الجوبة، كما دخلت القوات الجمهورية حريب، بعد ذلك بأربعة أيام. وبذلك، تحقق الاتصال للنطاق الخارجي للجمهورية، الذي كان يمر بصعدة، برط، الحميدات، المطمة، الحزم، تقاطع طرق: مأرب، الجوبة وحريب.
وبعد إحكام السيطرة على مأرب، أعلنت قبيلة جهم ولاءها للجمهورية، في 9 مارس. كما دُفعت مجموعة قتال، إلى فتْح طريق مأرب ـ صرواح. في الوقت الذي دَفعت فيه المجموعة 13 صاعقة، من الأخيرة، مجموعة أخرى إلى الاتصال بالقوة المتقدمة من مأرب. وباتصال القوّتين، في 10 مارس، فُكَّ الحصار البري، الذي فُرض على صرواح، منذ الرابع والعشرين من أكتوبر 1962. كما أحكمت السيطرة على المحور الشرقي، وطرق الإمداد إلى قبائل خولان، التي بدأت تتفاوض من أجل إيقاف القتال. وفي 12 مارس، توقف القتال، فعلاً، بين الملكيين والجمهوريين، في ذلك المحور، وإن لم يعلن بعض قبائل خولان ولاءها للجمهورية.
د. عمليات المنطقة الشمالية[12] (انظر شكل عمليات الجانبين للسيطرة على المحور الشمالي (فبراير ـ مارس 1963))
حاول الملكيون، خلال شهر فبراير، استغلال سحب القيادة المصرية بعض قواتها من منطقة صعدة ( لتأمين محور الإمداد من الحرف حتى صعدة)، من أجل تحقيق بعض المكاسب، وتحسين أوضاعهم في المنطقة الشمالية. فهاجموا نشور، في 9 فبراير، واحتلوا الهيئات المحيطة بها. وفي 21 فبراير، احتل بعض القبائل الملكية مَواقعها على جبال برط، وهددت منها القوات الجمهورية في المنطقة. وفي الشمال الشرقي، بدأت قوات الملكيين في التجمع في "زعافة"، تمهيداً للهجوم على مجز.
وإزاء ذلك النشاط، اعتمدت قيادة القوات الجمهورية في المنطقة، في البداية، على أعمال القصف الجوي المركّز لتجمعات القبائل والقوات الملكية، في المناطق التي سبقت الإشارة إليها، فضلاً عن الإغارات البرية الناجحة على المَواقع، التي نجح الملكيون في احتلالها، مما أوقع في صفوفهم خسائر جسيمة.
وبانتهاء عمليات الجوف، بدأت قيادة القوات العربية في المسرح، توجِّه جهودها الرئيسية إلى المنطقة الشمالية، لاستكمال سيطرة النظام الجمهوري عليها. ومن ثمَّ، دعمت قوات المنطقة بالكتيبة السادسة المشاة، وبعض وحدات المدفعية، بعد فتْحها طريق صنعاء ـ رايدة، على نحو ما سبق ذكره.
وخلال شهر مارس، قامت القوات المصرية في المنطقة الشمالية، بعمليتين هجوميتين. الأولى، لاستعادة السيطرة على نشور، شمال شرق صعدة. والثانية، لتأمين مجز، شمال غرب الأخيرة. وبدأت العملية الأولى، ليلة 8 ـ 9 مارس، بتمهيد نيراني كثيف، من المدفعية والطيران، أعقبه هجوم ليلي بوساطة مجموعة قتال من قوات المنطقة الشمالية (ما يقرب من كتيبتَي مشاة وعناصر دعمهما)، على مَواقع الملكيين، في المرتفعات المحيطة بنشور. وفي نهاية 10 مارس، كانت القوات المصرية قد استعادت البلدة، وسيطرت على جميع الهيئات المحيطة بها.
أما العملية الثانية، فقد بدأت، في 15 مارس، بعد تمهيد نيراني، من المدفعية والطيران، أعقبه هجوم نهاري بوساطة مجموعة قتال (ما يقرب من كتيبتَي مشاة وعناصر دعمهما)، على سلسلة الهيئات الجنوبية من الجبل الأسود، شمال مجز، التي كانت تحتلها القوات الملكية. وبعد قتال استمر 5 أيام، نجحت القوة المهاجمة في تطهير تلك الهيئات، والسيطرة عليها، والضغط على قوات الملكيين، التي انسحبت شمالاً.
وفي الشرق، احتل بعض وحدات المنطقة الشمالية وادي عظلة، في 14 مارس، بعد تخلّي القبائل الملكية عنه، نتيجة للقصف الجوي المركّز، خلال الأيام السابقة.
وفي نهاية هذه المرحلة، كانت القوات الجمهورية، والمصرية التي تدعمها، قد سيطرت على معظَم النصف الشمالي من اليمن، ومدت سيطرة النظام الجمهوري على تلك المناطق. ولم يبقَ خارج السيطرة إلا المناطق الجبلية، المتاخمة لحدود المملكة العربية السعودية، في أقصى الشمال والشمال الشرقي للبلاد، وبعض الجيوب الجبلية، في المنطقتين، المركزية والوسطى.
3. دور القوات الجوية، خلال مرحلة الهجوم العام[13]
أ. أعمال قتال القوات الجوية، خلال شهر يناير
في الوقت الذي ساد فيه الهدوء النسبيّ مسرح العمليات، خلال شهر يناير، استمرت أعمال القوات الجوية، طوال الشهر، إذ كان على هذه القوات، في تلك الفترة، القيام بالمهام التالية:
(1) الاستمرار في أعمال الاستطلاع المسلح، لطرق إمدادات الملكيين، وتدمير أي تحركات على هذه الطرق.
(2) معاونة أعمال القوات المصرية والجمهورية، أثناء تحسين أوضاعها الدفاعية، وتطهير جيوب المقاومة من القوات الملكية، في مناطق مسؤولياتها.
(3) القصف الجوي لمعاقل الملكيين ومناطق تجمّعهم، وردْع أعمالهم العدائية ضد القوات المصرية واليمنية الجمهورية.
(4) استمرار القيام بأعمال الإمداد الجوي للمسرح اليمني، بوساطة الجسر الجوي، فضلاً عن الإمداد الجوي داخل المسرح للقوات المعزولة، أو التي يصعب إمدادها براً.
وعلى ذلك، نشطت أعمال الاستطلاع الجوي المكثَّف، خلال ذلك الشهر، لاستطلاع وتدمير وسائل نقل الإمدادات للملكيين، عبْر الحدود الشمالية والشرقية، حيث نفذ ما يزيد على 34 طلعة طائرة لهذا الغرض، كان أغلبها خلال النصف الأول من الشهر، في منطقة الجوف، والمنطقتين الشرقية والشمالية.
وفي ضوء نتائج الاستطلاع الجوي، استغلت قيادة القوات العربية في المسرح وصول سرب القاذفات التكتيكية من نوع "أليوشن 28"، وتمركزه في مطار الروضة، لشن عدة هجمات جوية على قواعد الملكيين ومناطق حشدهم، سواء في نجران، داخل الأراضي السعودية، أو في مائة عين وكتاف ووداي أملح، في شمالي اليمن، وقرى خب ووادي الجوف في شماله الشرقي، فضلاً عن المنطقة الشرقية شمال شرق مأرب. وقد نُفِّذ من أعمال القتال السابقة ما يزيد على 60 طلعة طائرة.
كما تعددت الهجمات الجوية، طوال يناير، على مَواقع القبائل الملكية، سواء لردْع أعمالها القتالية، التي أخذت شكل التراشق بالنيران وكمائن الطرق وتلغيمها، أو لمعاونة القوات المصرية والجمهورية، أثناء تحسين مَواقعها، وتطهير جيوب المقاومة الملكية القريبة منها. ولتنفيذ هذه المهمة، قامت القوة الجوية في المسرح بما يزيد على 123 طلعة طائرة.
أما بالنسبة إلى أعمال النقل الجوي، فقد استمر تدفق الإمدادات، عبْر الجسر الجوي، طوال الشهر، لقوات المسرح، وإنْ قلّ المعدل اليومي عن المرحلة السابقة. كما أخذ الإمداد الجوي للقوات داخل المسرح اليمني، شكلاً منتظماً، لا يعوقه إلا سوء حالة الجو. وتركَّز ذلك الإمداد في مناطق صعدة وبرط، في الشمال، وصرواح ورأس العرقوب، في الشرق، وحجة في الغرب. وللقيام بهذه المهمة، نفذت القوة الجوية في المسرح، ولواء النقل الإستراتيجي، ما يزيد على 120 طلعة نقْل وإمداد جوي.
...
.....
...
- يتبع -
د. يحي الشاعر